2025 يعيد تعريف خريطة أسعار الأسهم بالبورصة
أكثر من نصف أسهم السوق دون 250 فلساً.. لكن القاعدة السعرية لأغلب الأسعار تتحرك إلى الأعلى
في عام 2025، لم تعد بورصة الكويت تعكس مجرد تحسن في مستويات الأسعار، بل كشفت عن تحول واضح في هيكل السوق نفسه، فالارتفاعات التي سجلت خلال العام الذي يوشك أن ينتهي لم تكن انتقائية أو محصورة في شريحة ضيقة من الأسهم القيادية ضمن السوق الأول، بل جاءت واسعة النطاق، وشملت القاعدة العريضة للسوق ضمن السوق الرئيسي، ما أدى إلى إعادة توزيع الكتل السعرية، وتقليص التمركز عند القاع السعري، ودفع عدد كبير من الأسهم إلى مستويات أعلى مما كانت عليه في نهاية 2024، هذا التحول لا يمكن قراءته كحركة سعرية عابرة، بل كمرحلة إعادة تموضع سعري أعادت تعريف شكل السوق من الداخل.
وتظهر بيانات 2025، التي تضم 139 سهما مدرجا، أن أكثر من نصف أسهم السوق لاتزال تتداول دون مستوى 250 فلسا، بنسبة تبلغ 50.36 %، ما يؤكد أن السوق ما زال واسع القاعدة من حيث العدد، غير أن القراءة الأعمق لأسعار الأسهم تكشف أن هذه القاعدة لم تعد متمركزة عند أدنى المستويات السعرية كما كانت في السابق، بل تحركت بكاملها إلى الأعلى، في انعكاس مباشر لموجة الارتفاعات التي شملت غالبية الأسهم خلال العام.
فعلى الرغم من أن الأسهم المتداولة دون 500 فلس تمثل 76.26% من إجمالي السوق، فإن توزيعها الداخلي تغير جذريا، فخلال العام الحالي، تراجعت الأسهم التي تتداول دون 100 فلس إلى 22 سهما فقط، بنسبة 15.83%، بعدما كانت في نهاية 2024 ممثلة نحو 36.36% من السوق بواقع 52 سهما، وفي المقابل، توسعت الشريحة المتوسطة بين 250 و499 فلسا لتضم 36 سهما، بما يمثل 25.9% من السوق، لتصبح إحدى أكبر الكتل السعرية وأكثرها تمثيلا في التداولات.
خريطة أسعار الأسهم
هذا التغير في قاعدة الأسهم لا يمكن فصله عن المقارنة الزمنية مع إغلاقات 31 ديسمبر 2024، ففي نهاية العام الماضي، كانت خريطة السوق مختلفة جذريا، إذ تجاوزت نسبة الأسهم المتداولة دون 200 فلس حاجز 59%، ما عكس مرحلة تسعير منخفضة لعدد كبير من الشركات، خصوصا الصغيرة والمتوسطة، في ظل ظروف سيولة وتقييمات أقل توازنا مما هي عليه اليوم.
كما كانت القمة السعرية في نهاية 2024 محدودة، إذ لم يتجاوز عدد الأسهم الدينارية 9 أسهم بنسبة 6.29%، في حين بقيت الشريحة بين 500 و749 فلسا ضيقة بعدد 9 أسهم فقط، أما في 2025، فقد ارتفع عدد الأسهم التي تجاوز سعر إغلاقها دينارا كويتيا واحدا إلى 13 سهما، بنسبة 9.35%، كما توسعت الشريحة بين 500 و749 فلسا إلى 14 سهما، ما يعكس انتقالا تدريجيا لعدد من الأسهم من المستويات الدنيا إلى نطاقات سعرية أعلى.
وعلى مستوى الأداء السعري، تكشف المقارنة بين إغلاقات 31 ديسمبر 2024 والإغلاقات الحالية في 2025 أن السوق شهد موجة ارتفاعات واسعة النطاق، فقد تراوحت نسب الارتفاع السنوية للأسهم بين حد أدنى بلغ نحو 1.21% وحد أقصى تجاوز 580.57%، وهو نطاق يعكس تفاوت الأداء بين الشركات، لكنه يؤكد أن الاتجاه العام كان صعوديا وشاملا، ولم يقتصر على أسهم بعينها.
واللافت أن هذا التحول السعري جاء مصحوبا بتغير في نوعية الحركة داخل السوق، حيث باتت الارتفاعات أكثر ارتباطا بالأداء التشغيلي والتقييمات، وأقل اعتمادا على موجات المضاربة السريعة التي كانت تميز مراحل سابقة، وهو ما أسهم في صعود القاعدة نفسها، لا القمة فقط.
هذه الارتفاعات لم ترفع الأسعار اسميا فقط، بل غيرت وظيفة السوق نفسها، فعدد كبير من الأسهم خرج من نطاقات القاع السعري، وانتقلت شرائح واسعة من الأسهم من مستويات 100 و200 فلس إلى نطاقات 250 و500 فلس، ما أعاد توزيع الوزن العددي للأسهم داخل السوق، وقلص كتلة الأسهم شديدة الانخفاض التي كانت تهيمن على المشهد في نهاية 2024.
عوامل التحول
ويعكس هذا التحول تداخل مجموعة من العوامل، أبرزها تحسن الأداء التشغيلي للشركات وارتفاع الأرباح التشغيلية خلال 2025، إلى جانب تحسن جودة السيولة واتجاهها بدرجة أكبر نحو الاستثمار القائم على أساسيات الشركات، بدل الاقتصار على المضاربات قصيرة الأجل، كما أسهمت التطورات التنظيمية والتشغيلية في بورصة الكويت في تحسين كفاءة التسعير وتعميق السوق، ما أتاح انتقال السيولة بين شرائح سعرية متعددة بدل تركزها في نطاق ضيق.
وفي هذا السياق، يبرز سؤال جوهري خلال عام 2026 بوصفه امتدادا طبيعيا لهذا التحول: هل يواصل السوق تقليص كتلته الدنيا، وهل يصبح مستوى 100 فلس استثناء لا قاعدة؟ الأرقام الحالية لا تسمح بالجزم، لكنها تشير بوضوح إلى مسار تصاعدي مستمر، وإلى أن القاعدة السعرية للسوق تتحرك تدريجيا إلى الأعلى، مدفوعة بتحسن التقييمات ونضوج سلوك التداول.
في المحصلة، تعكس بورصة الكويت في 2025 مشهدا مختلفا عما كانت عليه قبل عام واحد فقط، الارتفاعات السعرية لم تعد ترسم القمة فحسب، بل أعادت تشكيل القاعدة نفسها، وغيرت توزيع الأسهم داخل السوق، دون أن تلغي طبيعته المتعددة في أسعار الأسهم، وبينما لا يزال أكثر من نصف الأسهم دون 250 فلسا، فإن السؤال الحقيقي لم يعد أين تقف الأسعار اليوم، بل إلى أي مدى يمكن لهذا التحول أن يستمر في 2026، وما إذا كان السوق بالفعل يقترب من طي صفحة أسهم 100 فلس.
جريدة الانباء