لماذا أشار رئيس «الفدرالي» لاقتراب خفض الفائدة؟
وجه رئيس البنك الفدرالي الأميركي جيروم باول خطاباً – حظي بمتابعة مكثفة – في وقت حاسم يواجه فيه «البنك المركزي» الأميركي انقسامات داخلية حول مسار السياسة النقدية، مع الاستجابة للمشهد الاقتصادي الذي تشوبه حالة من عدم اليقين، ولضغوط خارجية استثنائية في ظل تعرض مسؤولي البنك لهجمات من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولي إدارته. رياح معاكسة يواجه هذا الاقتصاد رياحاً معاكسة بداية من الرسوم الجمركية الباهظة التي فرضها ترامب على أغلب السلع الواردة لبلاده، والقيود الصارمة على الهجرة والتسريحات الجماعية لموظفي الحكومة وتراجع الضرائب والإنفاق الحكومي، ما يثير مخاوف من عاصفة حادة محتملة تظهر بوادرها في البيانات الاقتصادية، لكن شدة تأثيرها لم تتضح بعد. إشارات مقلقة يرسل سوق العمل إشارات مقلقة خاصة بعد تقرير الوظائف الأخير عن يوليو الماضي، أثارت قلق المحللين من احتمال انزلاق الاقتصاد نحو الركود، خصوصاً بعد بيانات أظهرت تباطؤ نمو الاقتصاد إلى 1.2 بالمئة في النصف الأول من العام، ووجود دلائل على أن التعريفات الجمركية بدأت تؤثر سلباً. فترات الركود غير قابلة للتنبؤ في 2021، أدى ارتفاع التضخم وما تلاه من رفع الفائدة إلى سيل من التحذيرات بشأن الركود، لكن لم يحدث أي تباطؤ، كما توقعت العديد من البنوك احتمال حدوث ركود بعد إعلان ترامب التعريفات الجمركية في أبريل الماضي، لكنها تراجعت عن تقييماتها بعد خفض الكثير من تلك الرسوم. هل الاقتصاد الأميركي على شفا ركود؟ استشاط الرئيس الأميركي غضباً من بيانات الوظائف الأخيرة، وأقال المسؤولة عن المكتب الذي يصدر تلك الأرقام، متهماً إياها بالتزييف دون دليل. وكتب عبر منصته «تروث سوشيال» أن «الاقتصاد يشهد ازدهاراً في عهدي، رغم ممارسات الفدرالي»، مشيراً إلى التأخر في خفض الفائدة. وقال جيمس إيجلهوف كبير الاقتصاديين الأميركيين لدى «بي إن بي باريبا»، إن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن الاقتصاد يمر بمرحلة ضعف، وليس الدخول في ركود عميق، لأنه حتى الآن لم نشهد تغيراً في سلوك الشركات من حيث فقدانها الثقة في التوسع أو عزوفها عن المخاطرة. من جانبه، دق مارك زاندي كبير الاقتصاديين لدى «موديز أناليتكس» ناقوس الخطر بشأن الركود الاقتصادي، محذراً من أن الولايات الأميركية، التي تمثل ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي الأميركي تمر بالفعل بحالة ركود أو معرضة لخطر كبير للانزلاق نحو الركود. مزاعم ترامب ألقى ترامب باللوم على «باول» في الإضرار بالاقتصاد برفضه خفض الفائدة منذ بداية العام، ورغم إشارة رئيس البنك بحذر في ندوة «جاكسون هول» نهاية الأسبوع الماضي لاحتمالية خفض الفائدة في سبتمبر – مع توقعات الأسواق بالتحرك بمقدار 25 نقطة أساس - فإنه وجه رسالة خفية مفادها: لا تتوقعوا خفضاً حاداً. معضلة حقيقية عكست تصريحات «باول» المعضلة التي يواجهها البنك هي: سوق عمل وصفه بأنه يظهر علامات ضعف غريبة مع تأثير سياسات الهجرة سلباً، وزيادة الأسعار الناجمة عن التعريفات الجمركية، التي بدأت تظهر في الاقتصاد، مشيراً إلى تغير توازن المخاطر، ما يستدعي تعديل السياسة النقدية. سوق العمل وأشار باول إلى أن الاستقرار الظاهري لسوق العمل يخفي ضعفاً استثنائياً كامناً، مع تراجع كل من العرض والطلب في آن واحد، أي انخفاض التوظيف وتراجع توافر العمالة وسط قيود الهجرة، لكنه حذر من أن التركيز المفرط على قيود العرض قد يغفل مؤشرات ضعف الطلب التي قد تسبب تدهوراً سريعاً في سوق العمل. وضع استثنائي ألمح باول إلى توازن غريب في سوق العمل يستدعي الحذر، وأن هذا الوضع يعكس المخاطر السلبية على التوظيف، والتي قد تتحقق سريعاً في شكل تسريحات عمالة أكثر حدة وارتفاعاً في معدلات البطالة. ماذا عن التضخم؟ أوضح رئيس الفدرالي أن تأثير التعريفات على أسعار المستهلكين بات واضحاً الآن، ومن المتوقع استمراره خلال الأشهر المقبلة، مشيراً إلى استمرار عدم اليقين بشأن توقيت سريان التعريفات وحجمها. تمهيد الطريق لخفض الفائدة بعد أشهر من تجاهل مطالب ترامب بخفض الفائدة وهجومه الاستثنائي الذي يهدد استقلالية البنك، بدا باول بذلك كأنه يمهد الطريق لأول خفض للفائدة هذا العام، فمن خلال خفض تكلفة القروض على المستهلكين والشركات يسعى البنك لتعزيز النشاط الاقتصادي بشكل عام. الخلاصة من السابق لأوانه معرفة إلى متى ستستمر زيادات الأسعار الناجمة عن التعريفات الجمركية، ورغم بعض علامات الضعف في سوق العمل، فإنه ليس في خطر وشيك، كما أن البيانات الاقتصادية المتباينة مهدت الطريق لاختلاف وجهات النظر، بالتالي فإن اتجاه «الفدرالي» – كما هو متوقع على نطاق واسع ــ نحو خفض الفائدة في سبتمبر من شأنه تحسين الأوضاع المالية.
جريدة الجريدة