العقارات السكنية النادرة... تقييم بالملايين وصفقات محدودة
- أهمها في الدعية حي السفارات والبدع وأنجفه والشريط الساحلي وبعض قطع السالمية
- أسباب عديدة أدت إلى ركودها... أبرزها تعدد الورثة و«ديوان العائلة»
يبرز في السوق العقاري المحلي مشهد يستدعي التوقف والتأمل، حيث إن هناك فئة من العقارات السكنية تقع في مناطق معينة ذات قيمة سوقية عالية جدا، إلا أن تداولها يبقى محدودا جدا ويكاد يكون معدوما. وتتسم تلك العقارات السكنية، مثلا في الدعية حي السفارات والبدع وأنجفه والشريط الساحلي والسالمية القطع 2 و4 و12، بخصوصية عالية، حيث يندر فيها عرض الوحدات السكنية المتاحة للبيع والصفقات البيعية، مقابل طلب مرتفع، إذ أدى هذا الشح في المعروض، بالتزامن مع طلب قوي ومتزايد، إلى نشوء سوق عقاري استثنائي، تتحكم فيه آليات مختلفة عن السوق التقليدي. ويثير هذا الوضع تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء ندرة تداول هذه العقارات، على الرغم من جاذبيتها وارتفاع أسعارها، والذي قد يصل إلى مستويات قياسية، حيث إن هذه المفارقة، بين القيمة الاسمية العالية وحركة البيع والشراء المنخفضة، تقف وراءها العديد من الأسباب والعوامل، وتختلف الأسباب من منطقة إلى أخرى. أحد أهم الأسباب التي تؤثر على محدودية تداول هذه العقارات هو طبيعة ملكيتها، التي تعود في كثير من الحالات إلى ورثة، وقد تصل إلى الجيل الثالث أو الرابع، ومع مرور الأجيال يصبح قرار بيع العقار صعبا، حيث قد تنشأ تعقيدات قانونية وإجرائية بين الورثة تؤخر أو تعوق عملية البيع، أو أن بيع العقار، وإن كان سعره مرتفعا، قد يكون غير مغر، خاصة في حال ارتفاع عدد الورثة، ويفضل الورثة جعل العقار مقرا (ديوان) لتجمع العائلة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى الإحجام عن البيع تماما حفاظا على العقار، حيث إن هذا النوع من الملكية غالبا ما يؤدي إلى تجميد العقار وعدم دخوله دائرة التداول النشط في السوق. الوعود بالتثمين جانب آخر مهم يؤثر على محدودية تداول هذه العقارات، وهو موقع المنطقة الجغرافي التي عادة ما تقع بين مناطق استثمارية أو تجارية، وهناك توقعات قوية لدى ملاكها بشأن إمكانية ارتفاع قيمتها بشكل كبير في المستقبل القريب أو البعيد، أو هناك وعود ضمنية بتثمين تلك العقارات، ضمن مشاريع تنموية مستقبلية معلنة أو قيد الدراسة في المنطقة المحيطة. ويخلق ذلك لدى ملاك العقارات قناعة راسخة بجدوى الاحتفاظ بهذه الأصول كمدخرات استراتيجية طويلة الأجل، فبدلا من التفكير في تحقيق مكاسب فورية من خلال البيع، يفضل هؤلاء الملاك الانتظار لتحقيق عوائد أكثر بكثير في المستقبل، مدفوعين بالتفاؤل بشأن النمو المستقبلي للمنطقة أو ندرة العقارات المماثلة أو تحويلها إلى مناطق غير سكنية وبالتالي تثمينها بأسعار عالية. الموقع الاستراتيجي لبعض العقارات ووعود حكومية سابقة بتثمينها وراء الاحتفاظ بها جميع ما ذكر يجعل الملاك أقل تحفيزا لعرض عقاراتهم للبيع في الوقت الحالي، مما يقلل من المعروض المتاح في السوق، ويساهم في محدودية التداول. ارتفاع الأسعار في سياق آخر، يلعب ارتفاع أسعار هذه العقارات بشكل ملحوظ وكبير جدا مقارنة بالعقارات المماثلة في المناطق القريبة دورا حاسما في تقليل حجم التداول عليها، إضافة إلى ذلك فإن مساحة البناء في العقارات السكنية الساحلية أقل من المسموح بها في العقارات السكنية الأخرى، وهذا يجعل تلك العقارات أقل جاذبية لشريحة واسعة من المشترين المحتملين، وتنحصر على فئة قليلة من الراغبين، إلا أن أسعارها لا تزال مرتفعة، وهذا بسبب ندرة المعروض. اعتبارات أخرى وأخيرا هناك مجموعة متنوعة من الاعتبارات الشخصية التي تدفع الملاك الى عدم الرغبة في بيع عقاراتهم ذات القيمة العالية، فقد يكون هؤلاء الملاك يتمتعون بملاءة مالية عالية، ولا يشعرون بضغط مالي يدفعهم إلى تسييل أصولهم العقارية، وقد يرى البعض منهم في هذه العقارات ملاذا آمنا لرأس المال أو وسيلة للحفاظ على الثروة للأجيال القادمة. ويرتبط العديد من الأفراد والعوائل بمناطق سكنهم، ولا يرغبون في الخروج منها، بل يبحثون عن تملك عقارات واقعة في هذه المناطق، وهذا يجعل الأسعار استثنائية ولا يمكن القياس عليها، إذ إن عامل الرغبة في التملك هو الأساس وليس العوامل التي تتحكم في الأسعار السوقية، يقابل ذلك شح في المعروض. وختاما يمكن القول إن حالة الركود النسبي في تداول العقارات ذات القيمة العالية في بعض المناطق السكنية تمثل ظاهرة متعددة الأوجه، تتداخل فيها العديد من العوامل الشخصية والتنظيمية والاقتصادية، ويعود ارتفاع أسعارها إلى شح المعروض يقابله طلب مرتفع من قبل شريحة واسعة.
جريدة الجريدة