الذهب يرتفع مع توقعات خفض الفائدة وتصاعد التوترات الجيوسياسية
أغلق عند 3371 دولاراً للأونصة نهاية الأسبوع الماضي بعدما لامس أعلى مستوى يومي له عند 3378
سجلت أسعار الذهب ارتفاعاً ملحوظاً في تداولات الأسبوع الماضي مدفوعة بتزايد التوقعات بخفض وشيك لأسعار الفائدة الأميركية عقب تصريحات لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي «البنك المركزي» الأميركي، جيروم باول، اتسمت بنبرة تميل إلى خفض سعر الفائدة. وقال التقرير الأسبوعي لشركة «دار السبائك» الكويتية إن الذهب أغلق عند مستوى 3371 دولاراً للأونصة يوم الجمعة الماضي، بعدما لامس أعلى مستوى يومي له عند 3378 دولاراً، مدعوماً بتراجع مؤشر الدولار، الذي انخفض أكثر من 1 في المئة أمام العملات الرئيسية الأخرى، إلى جانب انخفاض عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى 4.261 في المئة. وأضاف أن باول أشار في كلمته أمام ندوة «جاكسون هول»، الجمعة، إلى أن المخاطر السلبية التي تتهدد سوق العمل آخذة في التصاعد رغم استمرار الضغوط التضخمية، مما يرجح تعديلاً في موقف السياسة النقدية، موضحاً أن الأسواق استجابت بتسعير خفض للفائدة في اجتماع سبتمبر المقبل بنسبة احتمال تقارب 90 في المئة، مع توقّع خفض إضافي أو اثنين قبل نهاية العام. وذكر أن تصريحات باول أعادت إحياء شهية المستثمرين للمعدن النفيس، مع تصاعد الإقبال على الأصول الآمنة وسط تجدد التوترات الجيوسياسية، لاسيما التصعيد الروسي الأخير في أوكرانيا في وقت استفاد الذهب أيضاً من الركود الصيفي المعتاد في أسواق الأصول الأخرى، مما ساهم في توجه المستثمرين إلى التحوط بالذهب. وبيّن تقرير «دار السبائك» أن الفضة حققت أداء متفوقاً مغلقة الأسبوع عند أعلى مستوى لها منذ سبتمبر عام 2011 مدعومة بالطلب الصناعي وتوقعات استمرار ضعف الدولار. ولفت في الوقت ذاته إلى أن تحركات الذهب لا تزال ضمن نطاق تداول محدود منذ أبريل يتراوح بين 3300 و3500 دولار للأونصة، حيث لم يتمكن من اختراق قمته التاريخية السابقة. وأوضح أن التحليل الفني يظهر أن أي اختراق فوق مستوى 3465 دولاراً قد يمهد الطريق نحو مستويات 3500 ثم 3600 دولار للأونصة، وأن المحللين منقسمون بين تفاؤل مدروس بشأن استمرار الاتجاه الصاعد للذهب على المدى القريب وتحفُّظ مشروط بمدى مرونة «الفدرالي الأميركي» في التعامل مع بيانات التضخم المقبلة. وقال تقرير «دار السبائك»، إن مؤشرات نفقات الاستهلاك الشخصي ومعدل البطالة المنتظر صدورها مطلع سبتمبر المقبل تمثّل محطات رئيسية لفهم توجه السياسة النقدية لـ «الاحتياطي الفدرالي» بشكل أوضح، فإذا أكدت هذه البيانات ضعف سوق العمل وتباطؤ التضخم، فإن الباب سيكون مفتوحاً لمزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة، مما يعزز أسعار الذهب. وعلى الصعيد المحلي، أشار إلى أن هذه التحركات انعكست على أسعار الذهب في الأسواق الإقليمية، إذ بلغ سعر غرام الذهب عيار 24 نحو 33.170 ديناراً للغرام وعيار 22 حوالي 30.400 ديناراً، فيما بلغ سعر كيلو الفضة 426 ديناراً. وتتأثر ديناميكيات أسعار الذهب بشكل أكبر بجهات الشراء، وليس بمعروض المناجم، وفقاً لبنك وول ستريت العملاق «غولدمان ساكس». وعلى عكس النفط أو الغاز الطبيعي، لا يستهلك الذهب بل يخزن، مما يعني أن نماذج العرض والطلب التقليدية غير كافية. بدلاً من ذلك، يصفى السوق من خلال تغيرات الملكية. تفسر الخبيرة الاستراتيجية في «غولدمان ساكس» لينا توماس ديناميكيات سوق الذهب، حيث ترى أن تدفقات الإقناع - القوة الدافعة – تمثل 70% من أسباب حركة أسعار الذهب الشهرية، وفقاً لما نقله موقع «Investing»، واطلعت عليه «العربيةBusiness»ويشمل هؤلاء المشترون صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs)، والمضاربين، والأهم من ذلك، البنوك المركزية. يجمع «غولدمان» هذه التدفقات معاً لأن تدفقاتها لها تأثير مماثل على الأسعار، حتى لو اختلفت الدوافع الكامنة وراءها. على سبيل المثال، تعتبر صناديق الاستثمار المتداولة شديدة الحساسية لأسعار الفائدة وتستجيب تدريجياً لتحولات سياسة الاحتياطي الفدرالي، بينما تشتري البنوك المركزية لأسباب مالية أو جيوسياسية. يُقدّر استراتيجيو «غولدمان» أن «100 طن من المشتريات الصافية من حاملي السندات - البنوك المركزية والمضاربين وصناديق الاستثمار المتداولة - تقابل ارتفاعاً بنسبة 1.7% في سعر الذهب». يلعب المشترون الانتهازيون، مثل الأسر في الأسواق الناشئة، دوراً داعماً من خلال تخفيف حدة التحركات السعرية، لكنهم لا يحركون هذا الاتجاه. يساعد هذا في تفسير سبب تحريك مشتريات البنوك المركزية للذهب في كثير من الأحيان بأكثر مما يتوقعه المستثمرون. فعلى عكس السلع الأخرى، لا يُؤدي ارتفاع الأسعار تلقائياً إلى زيادة العرض أو كبح الطلب. يتميز إنتاج المناجم بالاستقرار وعدم مرونة الأسعار، بينما نادراً ما تبيع الأسر في الأسواق الناشئة، حيث تحتفظ بمعظم ذهبها في حوزتها. يعني هذا أنه عندما يتدخل مشترو السندات، قد ترتفع الأسعار بشكل كبير. تؤكد توماس أن «الأسعار تحركها نسبة واحدة: صافي مشتريات السندات/ معروض التعدين». مع ثبات إنتاج المناجم، حتى التقلبات الطفيفة في تدفقات السندات تفسر تقريباً جميع التغيرات الشهرية في أسعار الذهب. البنوك المركزية... من بائع إلى مشترٍ يؤكد التاريخ الحديث هذه النقطة. تحولت البنوك المركزية من كونها بائعة صافية إلى مشترين صافيين بعد الأزمة المالية العالمية، وتسارعت عمليات الشراء بشكل حاد عقب تجميد احتياطيات روسيا عام 2022. وأشارت توماس إلى أن «البنوك المركزية في الأسواق الناشئة استجابت بشراء الذهب باعتباره الأصل الاحتياطي الوحيد الذي لا يمكن تجميده إذا تم الاحتفاظ به محلياً». وأعادت هذه الزيادة الكبيرة في الطلب الرسمي، التي بلغت 5 أضعاف، ضبط العلاقة بين أسعار الفائدة وأسعار الذهب، حيث تم تعويض تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة الخارجة بشكل كبير من خلال تراكم الأصول السيادية. ويُسلط التقرير الضوء أيضاً على أن طلب البنوك المركزية يتحرك في دورات طويلة، مدفوعةً بالمخاوف المالية أو الجيوسياسية. ويميل صافي الشراء إلى الارتفاع عندما تتراجع الثقة في نظام الاحتياطي، كما هو الحال أثناء العقوبات أو مخاوف الاستدامة المالية. وعندما تُستعاد الثقة، يتلاشى الإلحاح وتتباطأ التدفقات. عملياً، يتحدد اتجاه سعر الذهب من خلال «التدفقات المتراكبة»، مقارنة بمعروض المناجم الجديدة المحدود. ولهذا السبب، حتى التحولات الطفيفة في عمليات شراء البنوك المركزية يمكن أن تكون لها آثار كبيرة غير متناسبة على الذهب.
جريدة الجريدة