«الوطني»: النمو الاقتصادي العالمي يحافظ على مرونته مع انحسار حالة عدم اليقين
ملف الرسوم الجمركية لا يزال مفتوحاً وقد يبقى مصدراً للتوتر في المرحلة المقبلة
قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني إن معدلات نمو الاقتصادات الكبرى من المتوقع أن تسجل أداء أقوى خلال الفترة الأخيرة، في حين رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعامي 2025 و2026. وبينما يبدو أن ذروة حالة عدم اليقين قد تراجعت، إلا أن ملف الرسوم الجمركية ما زال مفتوحا وقد يبقى مصدر توتر في المرحلة المقبلة.
وقال التقرير إن الرسوم الجمركية تواصل دفع معدل التضخم للارتفاع في الولايات المتحدة، إذ صعد مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، باستثناء السكن، إلى 2.7%، على أساس سنوي، حتى شهر أغسطس، مقابل 1.8% في أبريل. وفي ظل غياب صدمات جمركية إضافية، من المرجح أن يستغرق الأمر عدة أشهر أخرى قبل أن يتبين الأثر الكامل لهذه الرسوم.
وشهد سوق العمل الأميركي ضعفا ملحوظا في الآونة الأخيرة، إذ بلغ متوسط الوظائف المضافة شهريا نحو 27 ألف وظيفة فقط خلال الفترة من مايو إلى أغسطس، بينما ارتفع معدل البطالة إلى 4.3%، والذي يعد أعلى المستويات المسجلة منذ أكتوبر 2021. ومن الممكن أن يبقى نمو التوظيف ضعيفا حتى مع خفض أسعار الفائدة، باعتبار أن الضغوط تأتي من جانبي الطلب والعرض معا. وتشير العقود الآجلة حاليا إلى خفض الفائدة بمعدل تراكمي يصل إلى نحو 150 نقطة أساس حتى نهاية عام 2026، لكن هذه التقديرات يكتنفها قدر كبير من عدم اليقين، وحتى في حال تحققها، فإن تراجع العائد على مختلف السندات الحكومية الأميركية (باستثناء الأدوات قصيرة الأجل) يبقى غير مضمون. وعلى الصعيد التجاري، ساهمت الاتفاقيات المبرمة بين الولايات المتحدة وعدد من شركائها الرئيسيين في تقليص حالة عدم اليقين وتحسين المعنويات، إلا أن ملف الرسوم الجمركية ما زال مفتوحا، مع عدم التوصل لاتفاقيات بين الولايات المتحدة وبعض أكبر شركائها التجاريين ووجود تعريفات قطاعية جديدة قيد الإعداد. وتزداد الصورة تعقيدا مع انتقال قانونية هذه الرسوم إلى يد المحكمة العليا الأميركية، إذ قد يعيد أي قرار بإلغائها إشعال حالة عدم اليقين مجددا.
من جهة أخرى، بدأت آثار الهجوم غير المسبوق من جانب الإدارة الأميركية على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي بالظهور، مع ترجيح أن تزداد التحديات بعد انتهاء ولاية رئيس المجلس الحالي جيروم باول في مايو 2026. وعلى الرغم من أن الأسواق تتعامل مع هذا التهديد حتى الآن بهدوء نسبي، إلا أن الصورة قد تتغير جذريا إذا تبين أن استقلال البنك المركزي قد أصبح موضع شك فعلي. وعلى صعيد أكثر إيجابية، فعلى الرغم من المستويات المرتفعة من عدم اليقين التي سادت معظم هذا العام، نجح النشاط الاقتصادي في الحفاظ على قدر من التماسك والمرونة، إذ نما مؤشر «المبيعات النهائية للمشترين المحليين من القطاع الخاص» بنسبة 1.9% على أساس سنوي خلال الربعين الأول والثاني من العام الحالي، وإن كان أقل من متوسط 3% المسجل في عام 2024. ومن المتوقع أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، والذي شهد تذبذبات ربعية حادة ناتجة عن اضطرابات التجارة، نحو 2% في عام 2025، مقابل 3% تقريبا خلال عامي 2023 و2024.
واصل اقتصاد منطقة اليورو تجاوز التوقعات خلال العام الحالي رغم تباطؤ معدل النمو إلى 0.1% فقط، على أساس ربع سنوي، في الربع الثاني مقابل 0.6% في الربع الأول.
وساهمت الصفقــــــة التجارية بين الاتحــاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي تفرض رسوما بنسبة 15% على معظم الصادرات الأوروبية للسوق الأميركية، في تقليص حالة عدم اليقين وإعادة بعض الاستقرار إلى أكبر علاقة تجارية في العالم، في حين أن البنود الأخرى للاتفاقية (مثل التزام الاتحاد الأوروبي بشراء ما قيمته 750 مليار دولار من منتجات الطاقة الأميركية على مدى 3 سنوات، أو استثمار شركات الاتحاد الأوروبي 600 مليار دولار في الولايات المتحدة بحلول عام 2029) تبدو إما أهدافا غير واقعية أو مجرد نوايا غير ملزمة، إلا أن بعض التحديات لا تزال تلقي بظلالها على العلاقة التجارية بين الجانبين، خاصة بعد تلويح الرئيس الأميركي ترامب بفتح تحقيق تجاري بموجب المادة 301 ضد الاتحاد الأوروبي، ردا على فرض الاتحاد غرامة بقيمة 3.5 مليارات دولار على شركة «غوغل» لانتهاكات تتعلق بمكافحة الاحتكار. كما أن الخلافات حول ضريبة الخدمات الرقمية التي تفرضها عدة دول أوروبية على شركات التكنولوجيا الأميركية، والتي يعارضها ترامب بشدة، تزيد من هشاشة الوضع القائم وتبقي احتمالات تصاعد التوترات التجاريــــة قائمـــة.
وعلى صعيد منفصل، يعد قرار دول حلف شمال الأطلسي في يونيو بزيادة الإنفاق الدفاعي من 2% إلى 5% من الناتج بحلول عام 2035 خطوة تدعم النمو الاقتصادي في المنطقة. وفي المقابل، بعد أن أبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه الأسبوع الماضي، تشير سوق العقود الآجلة إلى أنها ستبقى ثابتة أو قد يتم خفضها بحد أقصى 25 نقطة أساس حتى نهاية عام 2026. أما على الصعيد السياسي، فإن حالة الشلل في فرنسا، التي تعد ثاني أكبر اقتصاد التكتل، عقب انهيار الحكومة، تضيف مخاطر إضافية لآفاق النمو في منطقة اليورو.
صعد مؤشر مديري المشتريات المركب إلى أعلى مستوياته في 12 شهرا في أغسطس (53.5 نقطة)، مدفوعا بالتحسن الملحوظ الذي سجله قطاع الخدمات، فيما بلغ مقياس التوقعات أعلى مستوى منذ أكتوبر 2024. وفي المقابل، ارتفع تضخم أسعار المستهلكين إلى 3.8% على أساس سنوي في يوليو، مسجلا أعلى مستوياته في 18 شهرا، مع توقعات بنك إنجلترا بأن يبلغ الذروة عند 4% في سبتمبر قبل أن يتراجع تدريجيا ليصل إلى 2% في الربع الثـــاني مـــن عام 2027.
وبالنظر إلى مسار التضخم والتصويـــت المتقارب في لجنة السياسة النقدية (5 مقابل 4) لصالح خفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس في أغسطس (ليرتفع بذلك إجمالي التيسير النقدي منذ أغسطس 2024 إلى 125 نقطة أساس) تشير تسعيرات العقود الآجلة حاليا لاستقرار السياسة النقدية دون مواصلة خفض أسعار الفائدة خلال ما تبقى من العام.
جريدة الانباء