10 عوامل صنعت عاماً استثنائياً لبورصة الكويت في 2025

السوق تحول إلى نهج «استثماري» يقوده القرار المؤسسي بعيداً عن «المضاربات»

مع اقتراب نهاية عام 2025، لم تعد قراءة أداء بورصة الكويت ممكنة من زاوية الأرقام المجردة أو التذبذبات اللحظية اليومية لجلسات التداول، بل باتت تتطلب فهما أعمق لمسار عام كامل اتسم بالثبات، واتساع السيولة، وتحول جوهري في طبيعة التداول، فالسوق الذي سينهي العام الحالي بسيولة تاريخية وقيمة سوقية غير مسبوقة منذ سنوات، لم تحقق ذلك بفعل موجات مضاربية، بل نتيجة قيادة واضحة من التداولات المؤسسية من قبل الشركات والمؤسسات الكويتية والأجنبية، مدعومة ببيئة تنظيمية وتشريعية أعادت تعريف دور البورصة في الاقتصاد الوطني.
خلال الأحد عشر شهرا الأولى من عام 2025، سجلت بورصة الكويت قيمة تداول قاربت 24.9 مليار دينار، موزعة على نحو 110.8 مليارات سهم، نفذت عبر أكثر من 11.18 مليون صفقة شراء وبيع، هذا المستوى من السيولة، المتحقق قبل اكتمال العام، يعكس سوقا نشطة على مدار العام، لا سوقا ارتبط أداؤها بذروة مؤقتة أو حدث استثنائي، بل بسلوك استثماري متواصل حافظ على زخمه من بداية العام حتى نهايته.
المؤسسات والشركات.. مركز الثقل
في قلب هذا الأداء، برزت المؤسسات والشركات الكويتية بوصفها القوة المحركة الرئيسية للتداول، فقد استحوذت هذه الفئة على أكثر من نصف قيمة تداولات السوق، بمشتريات بلغت نحو 12.8 مليار دينار، مقابل مبيعات قاربت 13 مليار دينار، هذه الأرقام، رغم تقاربها من حيث الصافي، لا تقرأ بمعيار الربح أو الخسارة اللحظية، بل بوصفها مؤشرا على حجم الأموال التي أديرت داخل السوق، وقدرة المؤسسات على إعادة تدوير السيولة، وبناء مراكز استثمارية، وتحريك التداول دون إحداث اختلالات حادة.
هذا الدور المؤسسي شكل صمام أمان حقيقي للسوق خلال العام، فرغم كثافة النشاط، حافظت البورصة على توازن دقيق بين جانبي الشراء والبيع، مع تطابق عددي كامل في الصفقات، وهو ما يعكس سوقا تدار بآليات منضبطة، لا بسلوكيات اندفاعية، ووجود هذا الحجم من التداول المؤسسي يعني أن الأسعار لم تكن نتاج موجات عاطفية، بل نتيجة قرارات استثمارية محسوبة، وهو ما منح السوق قدرة عالية على امتصاص أي ضغوط أو تصحيحات.
الأفراد.. زخم الحركة لا صناعة الاتجاه
وفي المقابل، واصل المستثمرون الأفراد نشاطهم المكثف من حيث عدد الصفقات، مسجلين ملايين العمليات خلال العام، إلا أن مساهمتهم في القيمة الإجمالية للتداول ظلت عند حدود نحو 32%، هذا التفاوت بين كثافة الحركة وحجم السيولة يوضح بصورة أعمق طبيعة الدور الذي لعبه الأفراد في 2025، فهم شكلوا نبض السوق اليومي، وساهموا في رفع مستويات التداول، لكنهم لم يكونوا القوة التي تحدد الاتجاه العام أو تبني مستويات السوق على المدى المتوسط والطويل.
أما محافظ العملاء فقد بقي تأثيرها محدودا، بمساهمة لم تتجاوز نحو 1.5% من قيمة التداول، في حين ظل حضور صناديق الاستثمار دون مستوى 1%، وهو ما يعكس أن قيادة السوق خلال العام كانت مباشرة ومؤسسية، وليست عبر أدوات جماعية أو قنوات وسيطة.
كما أن أحد أبرز ملامح 2025 كان الارتفاع الحاد في السيولة المتداولة مقارنة بالعام السابق، فقد قفزت قيمة التداول من 13.6 مليار دينار في الفترة المقابلة من 2024 إلى نحو 24.9 مليار دينار في 2025، أي بنسبة نمو تقارب 82%، وهذه القفزة لا تعكس فقط زيادة في النشاط، بل تشير إلى توسع حقيقي في عمق السوق، وارتفاع معدل دوران الأموال، واتساع قاعدة التنفيذ، وهو ما يعد من أهم مؤشرات نضج الأسواق المالية. وهذا الزخم انعكس مباشرة على القيمة السوقية لبورصة الكويت، التي سجلت مكاسب قياسية مع نهاية 11 شهرا من العام، فقد ارتفعت القيمة الرأسمالية بنسبة 24.2%، بما يعادل نحو 10.53 مليارات دينار، لتصل إلى 54.11 مليار دينار مقارنة بـ 43.5 مليار دينار بنهاية 2024.
والأهم من ذلك أن القيمة السوقية تجاوزت 54 مليار دينار خلال 2025، وهو مستوى تاريخي لم تشهده البورصة منذ ما قبل الأزمة المالية العالمية قبل نحو 17 عاما، ما يعكس استعادة السوق لجزء كبير من قوتها الهيكلية. وهذه المستويات تؤكد أن التداولات لم تعد محصورة في مجموعة ضيقة من الأسهم القيادية، بل امتدت إلى قاعدة أوسع من الشركات ذات الأداء التشغيلي الجيد، فقد شهد العام اهتماما متزايدا بالأسهم المتوسطة والصغيرة، التي جذبت مجاميع استثمارية رأت فيها فرص نمو حقيقية، وأسهم ذلك في تعميق السوق وتوسيع دائرة الاستفادة من السيولة.
«الأنباء» رصدت 10 عوامل ساهمت في تحقيق السوق مستويات قياسية خلال 2025 هي كالتالي:
1 ـ هيمنة التداول المؤسسي
أهم ما يفسر صلابة بورصة الكويت هو أن السيولة لم تكن سيولة موسمية، بل سيولة يقودها القرار المؤسسي، وهذه الهيمنة تعني عمليا أن اتجاهات السوق تبنى على قرارات استثمارية منظمة أكثر من كونها انعكاسا لمضاربات قصيرة الأجل، وهو ما يرفع جودة السيولة ويزيد قدرة السوق على امتصاص التقلبات.
2 ـ قفزة السيولة المتداولة
السمة الثانية هي القفزة الكبيرة في قيمة التداول خلال 11 شهرا، إذ بلغت 24.9 مليار دينار، مقابل 13.6 مليار دينار للفترة نفسها من 2024، أي نمو سنوي بنحو 82%، وهنا لا نتحدث عن ارتفاع رقم فقط، بل انتقال السوق إلى مستوى أعلى من سرعة دوران الأموال واتساع قاعدة التنفيذ.
3 ـ مكاسب القيمة السوقية
على مستوى القيمة الرأسمالية، حققت بورصة الكويت مكاسب قياسية خلال الأشهر الـ 11 الأولى، إذ ارتفعت بنحو 9.2 مليارات دينار وبنسبة 21.1% لتصل إلى 52.7 مليار دينار مقارنة بـ 43.5 مليار دينار بنهاية 2024، والأهم دلاليا أن القيمة السوقية تخطت 54 مليار دينار، وهو قمة تاريخية سجلتها للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.
4 ـ السوق لم يعد رهينة مجموعة أسهم محدودة
في 2025، لم يعد النمو محصورا في دائرة ضيقة من الأسهم القيادية فقط، ما دعم موجة السيولة هو انتقال الاهتمام إلى قاعدة أوسع من الشركات، بما في ذلك الأسهم المتوسطة والصغيرة التي أصبحت محط اهتمام مجاميع استثمارية رأت فيها فرصا قابلة للاقتناص.
5 ـ تحسن ربحية الشركات المدرجة
النتيجة الأقوى لأي سوق لا تأتي من السيولة وحدها، بل من قدرة الشركات على توليد أرباح تبرر التقييمات، فخلال أول 9 أشهر من 2025، بلغت صافي أرباح الشركات المدرجة نحو 2.07 مليار دينار، وهو رقم يعكس متانة تشغيلية حتى مع اختلاف أداء القطاعات.
6 ـ رفع التصنيف السيادي للكويت
من أكبر محفزات 2025، وتحديدا خلال الشهرين الأخيرين من العام، هو قرار وكالة «ستاندر آند بورز» رفع التصنيف السيادي للبلاد إلى AA- مع نظرة مستقبلية مستقرة، وعمليا، تحسين التصنيف لا يعني مجرد خبر إيجابي، بل ينعكس على تقييم المخاطر السيادية، وعلى تسعير التمويل، وعلى شهية المستثمرين الأجانب للدخول أو زيادة الأوزان، لأنه يحسن وضع البلاد الائتماني في أعين مديري الأصول العالميين.
7 ـ تدفقات المراجعات الأجنبية
جانب مهم من 2025 هو نمو اهتمام المستثمر الأجنبي بالسوق المحلي، مع تركز واضح في المؤسسات والشركات الأجنبية، وذلك من قبل مؤشرات فوتسي راسل وMSCI و«ستاندر آند بوزر».
8 ـ تطوير البنية التحتية للسوق
من عوامل النمو الكبيرة خلال العام هو التحديثات التشغيلية التي طالت ساعات التداول وآلية الإغلاق، حيث أعلنت البورصة عن تمديد جلسة التداول المستمر حتى الساعة 1:00 ظهرا (بدل 12:30) بدءا من أكتوبر 2025، مع تحسينات على مزاد الإغلاق تسمح بتعديل أوامر الشراء والبيع طوال فترة المزاد وتقليص فترة الإغلاق العشوائي إلى آخر 30 ثانية بدل آخر دقيقتين، وهذه التغييرات تحسن اكتشاف السعر، وتخفف تشوهات الإغلاق، وتزيد عدالة التسعير، وهو ما يرفع ثقة المؤسسات خصوصا في تنفيذ أوامرها قرب الإغلاق دون مخاطر القفزات غير مبررة.
9 ـ خفض سعر الخصم
جاء قرار بنك الكويت المركزي بخفض سعر الخصم مرتين خلال 2025، لتهبط من مستوى 4% إلى 3.5%، محفزا لأداء البورصة، حيث ينعكس القرار على سوق الأسهم في التالي: أولا تخفيض تكلفة التمويل على الشركات والأفراد، ما يدعم التوسع والاستثمار ويزيد قابلية الاقتراض لأغراض إنتاجية. ثانيا رفع الجاذبية النسبية للأصول ذات العائد الأعلى (ومنها الأسهم) مقارنة بالأدوات الأقل مخاطرة عند انخفاض سعر الخصم، ثالثا دعم التقييمات عبر خفض معدل الخصم المستخدم ضمنيا في تقييم التدفقات النقدية المستقبلية، وهو ما يمنح الأسهم مساحة لارتفاعات أكثر منطقية إذا كانت الأرباح والتوزيعات داعمة.
10 ـ إطلاق سوق الشركات الناشئة
تدشين سوق الشركات الناشئة وبدء استقبال طلبات الإدراج اعتبارا من يوم الأحد 14 ديسمبر 2025 يمثل خطوة نوعية في تعميق السوق على المدى المتوسط، وأهمية هذا السوق في أنه يفتح مسارا للشركات الصغيرة والمتوسطة للانتقال من التمويل الخاص إلى السوق المنظم، ويوسع قاعدة الأوراق المدرجة، ويخلق قصص نمو جديدة قد تصبح لاحقا من روافع السيولة في السوق الرئيسي أو الأول، والأهم أنه يعزز صورة السوق كمنظومة متطورة لا تتوقف عند الأسهم التقليدية فقط.

جريدة الأنباء